الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.البلاغة: 1- القصر:في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّما يُوحى إلى أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} وقد تقدم بحث القصر مفصلا ونقول ان في هذه الآية قصرين الأول قصر الصفة على الموصوف وذلك في قصر الوحي على الوحدانية والمعنى لا يوحى إلى إلا اختصاص الإله بالوحدانية لا لأنه لم يوح إليه بشيء غيرها ولَكِنها الأصل الرئيسي في كل عبادة وعمل وهي المطلوبة أولا وقبل كل شيء حتى كأن ما عداها غير منظور إليه أو غير جدير بالذكر والثاني قصر الموصوف على الصفة وذلك في قصر اللّه على الوحدانية وهو ظاهر.2- الإيجاز:وذلك في قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ} تقدم القول في الإيجاز كثيرا وفي هذه الآية إيجاز قصر لأنه تحدث بثلاث كلمات وهي {آذنتكم على سواء} عن كلام طويل أي إن تولوا بعد هذه الآيات والشواهد وأعرضوا وطووا كشحا فقل لهم لقد أعلمناكم على بيان أنا وإياكم في حرب لا مهادنة فيها ولا صلح بيننا ولَكِنني لا أدري متى يأذن اللّه. و{آذنتكم} منقول من اذن إذا علم قال الحارث ابن حلزة:وقد سما الزمخشري في شرح هذا الإيجاز وهذه نبذة من كلامه: والمعنى اني بعد توليكم واعراضكم عن قبول ما عرض عليكم من وجوب توحيد اللّه وتنزيهه عن الأنداد والشركاء كرجل بينه وبين أعدائه هدنة فأحسّ منهم بغدرة فنبذ إليهم العهد وشهر النبذ وأشاعه وآذنهم جميعا بذلك {على سواء} أي مستوين في الاعلام به لم يطوه عن أحد منهم وكاشف كلهم وقشر العصا عن لحائه.3- التوليد:في قوله: {قل رب احكم بالحق} فن التوليد وسماه ابن منقذ فن التلطيف وهو على ضربين: من الألفاظ ومن المعاني:1- التوليد من الألفاظ على ضربين أيضا:أ- توليد المتكلم من لفظه ولفظ غيره صورة من الكلام.ب- توليد المتكلم صورة من موضعين من لفظ نفسه.والأول هو أن يزوج لفظة من لفظة للفظة من لفظ غيره فيتولد بينهما كلام مناقض غرض صاحب اللفظة الأجنبية وذلك في الألفاظ المفردة دون الجمل المؤتلفة ومثاله ما حكي عن مصعب بن الزبير انه كان قد وسم خيله بلفظ عدّة وهو يريد عدة الحرب فلما قتل وصارت خيله عند الحجاج ورأى ذلك الوسم أمر أن يوسم إلى جانب عدة بلفظة الفرار فتولد بين اللفظين معنى غير ما أراده مصعب وانقلب المدح قدحا.2- التوليد من المعاني وستأتي أمثلته، أما الآية التي نحن بصددها فقد زوج فنا من فنون البديع لفن آخر فيه فتولد فن ثالث غيرهما وذلك انه يتوجه على ظاهر إشكال وهو أن يقال: ما الحكمة في كونه سبحانه أمر نبيه أن يسأله الحكم بالحق وهو عز وجل يعلم أن نبيه متيقن انه سبحانه لا يحكم إلا بالحق فلو اقتصر على قوله: {احكم} فقط كان ذلك كافيا فلم عدل عن الأوجز الموفي بالمعنى المراد مع سلامة الظاهر من الإشكال إلى الأطول الموجب للإشكال، والجواب: ان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يدعون على من خالفهم حتى يؤذن لهم في ذلك لأنهم بعثوا مؤلفين لا منفرين وهم لا يعلمون من الغيب إلا ما أعلمهم به اللّه فإذا أعلمهم بمن لا يمكن إيمانه من قومهم ساغ لهم الدعاء على ذلك، ألا ترى أن نوحا عليه السلام لم يتجرأ أن يقول: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّارًا} إلا بعد قوله تعالى له: أَنَّهُ {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} ولذلك احترس في الدعاء بقوله: {على الأرض} فإن من آمن معه كان في السفينة ولم يبق على الأرض إلا من حق عليه العذاب ولما علم سبحانه ان الذين عادوا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم لا يرجى فلاحهم أمره بالدعاء عليهم بيد أنه علمه كيف يدعو عليهم دعاء غير منفر لغيرهم فأراد سبحانه أن يقول: قل رب أهلك الظالمين فعدل عن هذا اللفظ الخاص لما فيه من التنفير إلى لفظ الإرداف فقال: {قل رب احكم بالحق} فانه سبحانه إذا حكم بالحق وهو العدل عاقب من يستحق العقاب وأما قول مورد الاشكال: لم عدل عن الأوجز إلى الأطول؟ ولو قال رب احكم لكان كافيا، فليس الأمر كما زعم لأن للحاكم المختار الذي لا شريك له أن يحكم بالفضل فينزل عن حق نفسه وله أن يحكم بالعدل ستوفي حقه وحق غيره وطلب مطلق الحكم لا يوفي بذلك فلهذا عدل من الأوجز إلى الأطول ليوفي بالمعنى المراد.وقد تنخّل عن هذا الجواب أربعة عشر ضربا من البديع اتفقت في هذه الألفاظ الثلاثة وهي:1- الإرداف الذي قدمنا ذكره.2- الإيضاح لأن إيضاح الإشكال الوارد على ظاهر الكلام جاء مدمجا في الإرداف.3- التتميم إذ لو وقع الاقتصار على قوله: {رب احكم} لكان المعنى المراد ناقصا لأن مطلق الحكم لا يوفي بالمقصود كما بينا.4- المقارنة لأن الادماج والإيضاح اقترنا في التتميم.5 و6- الافتنان لجمع هذه اللفظات الثلاث بين فنين من الفنون التي يقصدها المتكلمون وهما:أ- فن الأدب في تعليم الحق سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم كيف يدعو على من خالفه دعاء غير منفّر عنه.ب- فن الهجاء لأن عدل اللّه سبحانه يأبى أن يأمر نبيه بالدعاء إلا على من علم تصميمه على العصيان وبراءته من الايمان ومن كان كذلك كان مستحقا للذم فأدمج سبحانه في أمر الرسول بالدعاء عليهم هجاءهم بمقتضى ما تضمنه الكلام من استحقاق الملام.7- الإيجاز عن المعنى المراد بأقل ما يمكن من الحروف.8- السهولة فقد تركبت الكلمات تركيبا سليما من سوء الجوار، سهلة المخارج ولأن الكلمات جاءت في مقارها فلا تتقدم كلمة عن كلمة ولا تتأخر.9- التهذيب في كون تركيب الجملة وضع على أصح ترتيب وأسهل تهذيب إذ تقدم فيها ذكر المدعو وثنى بالطلب وثلث بالمطلوب.10- حسن البيان لأن الذهن يسابق إلى فهم معنى الكلام من غير توقف بمجرد سماعه أول وهلة لعدم التعقيد في اللفظ وخلوه من أسباب اللبس من التقديم والتأخير وسلوك الطريق الأبعد وإيقاع المشترك.11- التمزيج لامتزاج الفنون بمعاني البديع فإن فني الأدب والهجاء امتزجا بمعنى الإرداف والتتميم ولم يظهر في اللفظ لكل معنيين سوى صورة واحدة فظهر فن الأدب وأدمج فيه فن الهجاء وظهر الإرداف وأدمج فيه التتميم.12- الإبداع لما تتضمن كل لفظة من الجملة الضرب والضربين فصاعدا من البديع.13- التمثيل: لأن قوة البلاغة ورونق الفصاحة أخرجت هذه اللفظات مخرج المثل السائر الذي يصلح لأن يتمثل به في كل واقعة تشبه واقعته.14- التوليد: لأن الإرداف لما زوج بالتتميم تولد منهما الإيضاح وتولد من الإيضاح والارداف الادماج ولما ظهرت فائدة الإتيان بالجار والمجرور وثبت التتميم وظهرت العلة في العدول عن لفظ الدعاء الخاص إلى لفظ الارداف وتولد من ذلك فن الأدب ومن فن الأدب فن الهجاء ولما ثبت الائتلاف والتهذيب وما وقع في النظم من حسن الترتيب تولد من ذلك المثل السائر ولذلك غلب التوليد على جميع ما فيها من الضروب الثلاثة عشر وأثبتت في بابه دون أبوابها.التوليد في الشعر:أما في الشعر فلا يستحسن إلا التوليد في المعاني أما التوليد في الألفاظ فيأتي دونه في المرتبة بل ربما غالى بعضهم فجعله غير مقبول لشبهه بالسرقة وذلك أن يستعذب الشاعر لفظه في شعر غيره فيأخذها ويضمنها معنى غير معناها الأول كقول أبي تمام: أخذ لفظة قيد الأوابد من بيت امرئ القيس في وصف فرس ونقلها إلى الغزل وبيت امرئ القيس هو: على أنه قد يكون عذبا كما فعل على بن زريق البغدادي في قوله: فقد أخذ الأزرار من قول عبد اللّه بن المعتز: ولقد عابوا على عمارة اليمني بيته يمدح الخليفة المصري الفاطمي عند قدومه عليه من اليمن وهو: لأنه مأخوذ بلفظه من شعر أبي تمام مادحا: وهنا يحار الناقد في كثرة وقوع الشعراء الكبار بهذه المزالق، قال ابن الأثير: ومما كنت أستحسنه من شعر أبي نواس قوله من قصيدته التي أولها: وهذا من عالي الشعر ثم وفقت في كتاب الأغاني لأبي الفرج على هذا البيت في أصوات معبد وهو: وما أعلم كيف هذا.أما توليد المعاني فهو مستحسن على إطلاقه كقول أبي الطيب المتنبي: أخذه من قول أبي تمام: وقال المتنبي أيضا: أخذه من قول أبي نواس في وصف الخمرة: وجميل أخذ المتنبي من أبي تمام قوله: وبيت أبي تمام: وبيت المتنبي أجمل وأرشق وفيه زيادة ضرب المثل.وولد أحد الشعراء المولدين بيتا فارسيا فقال: فقد ولد هذا الشاعر من تشبيه العذار باللام وتشبيه الفم بالصاد لفظة لص وولد من معناها ومعنى تشبيه الطرة بالليل ذكر سرقة النجوم فحصل في البيت توليد وإغراب وادماج. .الفوائد: التعليق:للأفعال التي تنصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر أحكام عديدة منها التعليق وهو إبطال العمل لفظا لا محلا لمجيء ما له صدر الكلام بعده والمعلقات عن العمل هي:1- لام الابتداء نحو {لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} فمن مبتدأ وهو موصول اسمي وجملة {اشتراه} صلة من وعائدها فاعل {اشتراه} المستتر فيه و{ما} نافية و{له} و{في} متعلقان بالاستقرار خبر {خلاق} و{من} زائدة وجملة {ما له في الآخرة من خلاق} خبر من والرابط بينهما الضمير المجرور باللام وجملة من وخبره في محل نصب معلق عنها العامل بلام الابتداء لأن لها الصدارة فلا يتخطاها عامل وانما تخطاها في باب إن فرفع الخبر لأنها مؤخرة من تقديم لاصلاح اللفظ وأصلها التقديم على إن.2- لام القسم كقول لبيد:فاللام في لتأتين لام القسم وتسمى جواب القسم، والقسم وجوابه في محل نصب معلق عنها العامل بلام القسم لا جملة الجواب فقط، فسقط ما قيل ان جملة جواب القسم لا محل لها وان الجملة المعلق عنها العامل لها محل فيتنافيان ولهذا قال أبو حيان أكثر أصحابنا لا يذكرون لام القسم في المعلقات وفي العزة، ولام القسم لا تعلق كقوله: بفتح أن فهذه لام القسم ولم تعلق وتقول علمت أن زيدا ليقومن بفتح أن. اهـ.وفي المغني أن أفعال القلوب لإفادتها التحقيق تجاب بما يجاب به القسم كقوله: إلخ. اهـ.فأخرج لام لتأتين عن كونها للقسم.3- ما النافية نحو {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} فما نافية و{هؤلاء} مبتدأ وجملة {ينطقون} خبره والجملة الاسمية في موضع نصب بعلمت وهي معلق عنها العامل في اللفظ بما النافية.4- لا وإن النافيتان الواقعتان في جواب قسم ملفوظ به أو مقدر فالملفوظ به نحو علمت واللّه لا زيد في الدار ولا عمرو وعلمت واللّه أن زيد في الدار والمقدر نحو علمت لا زيد في الدار ولا عمرو.5- الاستفهام كالآية التي نحن بصددها وهي {وإن أدري أقريب} إلخ وقول كثير: فعطف موجعات بالنصب على الكسرة على محل قوله: ما البكا الذي علق عن العمل فيه قوله أدري. اهـ.
|